عن حلم “قناة مصر الوثائقية”
هل يمكن أن يتخيل أحد ان المتحف المصري الكبير (أكبر متحف عالمي يضم حضارات متعددة) والذي يستعد للافتتاح قريبا بعد 19 عام من وضع حجر الأساس لا توجد سوى قناة تليفزيونية واحدة (غير مصرية) هي التي تحتفظ في مكتبتها بتطور عمل انشاء المتحف طيلة هذه الأعوام وتصور تطوراته كل شهر لما يزيد عن 200 شهر وهي قناة (ناشيونال جيوجرافيك) وذلك بالرغم من وجود ما يزيد علي 1000 قناة عربية علي نايل سات !
وهل يتخيل أحد أنك عندما تبحث في محركات البحث علي الانترنت عن موضوعات مصرية أصيلة وتجرب مثلا بمفردات منها (الإذاعة المصرية) ستجد فيلما من إنتاج قناة “الجزيرة” تعرضه وقتما تشاء في قناتها الوثائقية المتخصصة (من وجهه نظرها السياسية بالطبع) !
وهل يتخيل أحد أن إدارة الإنتاج المتميز في ماسبيرو تمتلك في أرشيفها أفلاما بطولة خالد صالح وخالد الصاوي وأحمد فؤاد سليم وعشرات النجوم في التمثيل ونجوم الإخراج أيضا تغريد العصفوري وأحمد مدحت ووائل احسان وأشرف فايق وغيرهم لكنها كنوز لا يشاهدها أحد !
وهل تتخيل أن السينما المستقلة أصبحت غزيرة الإنتاج بمستوي مبهر فضلا عن إنتاج أفلام مشروعات تخرج طلبة الإعلام والسينما في عشرات الكليات المصرية وبالكاد تجد مكانا على الشاشة في برامج مثل “سينما أخرى” علي نايل سينما و”عرض أول” على الفضائية المصرية و”حدوتة مصرية” على النيل الثقافية، وهي برامج لايزيد عددها اجمالا عن خمسة!
النماذج كثيرة والخلاصة في سؤال : هل يليق بمصر ذات التاريخ الأقدم عالميا وذات الـ 111 مليون نسمه بينهم آلاف المبدعين ألا يكون لها قناة وثائقية تعرض الأفلام التسجيلية والروائية القصيرة بانتظام وتضع لها تصنيفات بين “تسجيلي طويل وقصير” و”روائي قصير” و”تحريك” ، وفي تصنيف آخر هناك التاريخي والمعاصر وما يخص الطبيعة وأفلام عن رموز وشخصيات بارزة في مجالات كثيرة …. الخ !
في الحقيقة ان وجود قناة بهذه الأهمية هو دور وطني بل ربما يصل لكونه يتعلق بالأمن القومي خاصة عندما تكون الأفلام التاريخية وجدان الوطن عُرضة للتلاعب من جهات خارجية ويتم من خلالها تمرير معلومات خاطئة مثل السم في العسل ويتلقاها المتابع ظنا منه أنها صحيحة، طالما لا يوجد غيرها ما يتناول هذا الأمر في السينما التسجيلية ذاكرة الأوطان .
أطرح هذا السؤال كثيرا في ندوات ومهرجانات وتأتيني الإجاة على شكل سؤال أيضا: هل لدينا ما يكفي لملأ 24 ساعه يوميا ؟ والحقيقة انه سؤال مضحك بالنسبة لي لانه واضح وضوح الشمس لان من يقرأ المشهد الإعلامي سيجد ان لدينا عشرات الجهات التي تنتج أفلاما منذ سنوات عديدة :
* أفلام سينمائية قصيرة لشيوخ الإخراج السينمائي
* أفلام انتجها قطاع الإنتاج بالتليفزيون المصري
* أفلام انتجها المركز القومي للسينما عبر تاريخة الممتد
*أفلام انتجها قطاع الإنتاج المتميز بالقنوات المتخصصة منذ ما يزيد عن 20 عاما
* أفلام انتجتها قنوات النيل للأخبار والنيل الدولية NILE TV وقنوات ماسبيرو
* أفلام انتجتها جهات مستقلة مثل سمات والجيزويت وغيرها
* أفلام مستقلة انتجها مبدعون من أموالهم الخاصة
* مشاريع تخرج طلبة الجامعات المصرية في كليات الإعلام والسينما
* أفلام إنتاج الشئون المعنوية
* أفلام أنتجتها الوزارات المختلفة مثل وزارة الآثار ووزارة التضامن وغيرها
* أفلام أنتجتها قنوات خاصة وشركات إنتاج خاصة
وغيرها الكثير وكلها أعمال بها المتميز الذي حقق جوائز أو لم يحقق، وبينها متوسط المستوى وبينها دون المستوى، لكنه كم كبير يمكن الانتقاء منه وفقا لقواعد منظمة ولجان متخصصة من شيوخ المهنة ومبدعيها في (السيناريو والتصوير والمونتاج والموسيقى والإخراج) ويثري شكل الشاشة ويصنع حراكا جديدا مع متعه الصورة وتميز المضمون ويمثل نقلة جديدة ومهمة لمصر في عالم الفيلم التسجيلي والروائي القصير بل والتحريك أيضا .
كما يمكن أيضا أن يتم تنفيذ هذا الأمر بالتوازي من خلال موقع الكتروني متخصص في السينما التسجيلية والروائية القصيرة ويتوافق مع انشاء تطبيق علي الهواتف الذكية APPLICATION متصل بكل مواقع التواصل الاجتماعي لنشر هذا الفن الجميل بأدوات جاذبة للشباب لمتابعة فن يصنع ثقافة بصرية ويخاطب الفكر والوجدان .
تقوم جمعية الثقافة السينمائية بتقليد جميل كل سبت ، وهو عرض فيلم طويل نال استحسان عالمي ويسبقة عرض فيلم تسجيلي او روائي قصير ولقاء مع مبدعيه ويحدث نفس الأمر في نادي السينما المستقلة في قاعة سينما الهناجر، وليت الأفلام القصيرة تجد مكانا علي شاشات السينما قبيل عرض الأفلام الطويلة مما يمنحها فرصة أن يكون الفن والفكر مكانا بجانب التجارة في صناعة السينما المصرية.
وما يؤكد وجود حراك ثقافي جميل تلك القاعات التي تمتليء بمتابعي السينما التسجيلية والروائية القصيرة في مسابقة سينما الغد في مهرجان القاهرة السينمائي الدولية، وكذلك في مهرجان الإسكندرية ومهرجان الأقصر للسينما الافريقية ومهرجان شرم الشيخ للسينما الآسيوية ومهرجان الإسماعيلية الدولي المتخصص في السينما التسجيلية ومهرجان أسوان لسينما المرأة والمهرجان القومي للسينما المصرية ومهرجان ساقية الصاوي وغيرها من المحافل التي تجد فيها القاعات ممتلئة بحثا عن فكر وفن حر ومختلف .
والحقيقة ان هذا الحلم غير مكلف ويمكن لماسبيرو ان يمنح ترددا لهذه القناة المهمة خاصة وانه أمر غير تجاري لن تقبل عليه القنوات الخاصة الباحثة عن الإثارة والابهار دون محتوى وبعد تاريخي وقومي فيكون لزاما علي الهيئة الوطنية للإعلام القيام بهذا الدور الوطني المهم، والذي أتوقع ان يجد صدى كبير أسوة بما فعلته قناة “ماسبيرو زمان” في وجدان كل مصري بل وعربي .
وتمثل السطور السابقة مصدرا للسعادة والفخر لي بأن تكون أولي كلماتي في مجلة (تلي سينما) والتي تتزامن مع احتفال نقابة المهن السينمائية بمرور 75 عاما على إنشائها وما تقوم به من دور مهم لدعم كل صناع السينما التسجيلية والروائية القصيرة خاصة مع اقتراب صدور الفيلم رقم (22) في مشواري في مجال السينما التسجيلية والروائية القصيرة والدراما التسجيلية .
أحمد عبد العليم قاسم – مجلة تلي سينما – عدد فبراير 2019