« دفن كوجو» يروي رحلة صمود كاتبة إفريقية فى مواجهة حقد الأشقاء

 

الناقد فاروق عبد الخالق خلال مناقشته 

تقرير : مروة السوري

تألق عرض فيلم “دفن كوجو” إنتاج دولة غانا خلال عرضه بقصر السينما تحت رعاية نادى السينما الإفريقية التابع لمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية لرئيسها السيناريست “سيد فؤاد”،وفى كلمته أكد الناقد السينمائى “فاروق عبد الخالق” رئيس مؤسسة الفنانيين المُستقلين المنظمة لمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية بأن قارة إفريقيا بها 54 دولة منها 45 تنتج أفلاماً إفريقية، فمصطلح “السينما الإفريقية” بدأ فى منتصف الخمسينات مع موجة تحرر بعض الدول الإفريقية من الإستعمار الفرنسى والإنجليزى والبلجيكى والنازى والإيطالى، وتعتبر مصر من أقدم دول القارة التى تعترفت على السينما فى وقت مبكر يليها جنوب إفريقيا لتأثرهما بالثقافة الأوروبية فى هذا الوقت، وكانا يواجها فى بدء الأمر مُشكلة فى طرح الأفلام أو صناعتها بوجه عام، وذلك يرجع للقلة الإمكانيات وعدم توافر دور العرض المُناسبة.
لذا قرر بعض الآفارقة السفر إلى أبرز الدول الأوروبية كفرنسا وإنجلترا للمساهمة بالإنتاج الفنى الإفريقي، وبالفعل بدأ الإفارقة بالمشاركة بالسينما الأوروبية بالتوازى بمشاركة الأوروبين بالأفلام الإفريقية، مٌضيفُا أن السينما العالمية بدأت تصوير بعض أفلامها فى إفريقيا، ولكن أبرزت الأفارقة بصورة غير إنسانية والتى تلخصت محاورها على تصوير الغابات والمعالم الطبيعية وصورة للخدم والمجاعات دون النظر إلى التعمق فى مضمون شخصياتهم، والتى كان من الممكن الخروج بطاقتهم الفنية لأفاق كثيرة، على عكس الإفارقة قاموا بتسجيل أفلامهم التسجيلية القصيرة فى الدول الأوروبية وحققوا نجاحًا ملحوظاً، ومع مرور الوقت بدأ الدعم الأوروبى للدول الإفريقية لإنتاج أعمالهم السينمائية.

وبدأت نيجيريا فى آواخر السبيعينات فى إرسال وفود لتعلم اللغة السينمائية والتصوير وغيرها من الأمور الفنية، ومن ثم إنطلقت قلعة سينمائية إفريقية أٌطلق عليها “نوليوود” أنتجت حوالى 2000 فيلم بنظام الفيديو، ورغم قلة التكلفة المادية ولكن يكفى أن لديهم القدرة للتعبير عن قضاياهم كمثل قضايا الهجرة الغير شرعية والعنصرية والإحتلال والموروثات الشعبية، ثم أتجهت الدول الإفريقية إلى محاولات الإنتاج الذاتى البعض منهم نجح فى ذلك والبعض الآخر مازال إنتاج مُشترك مع دول أخرى.

وفى هذا الإطار يناقش فيلم “دفن كوجو” من إنتاج دولة غانا، قصة إجتماعية حول حديث روائية “أيسى” خلال حفل توقيع كتابها الخاص وإدارتها ندوة لمناقشته لتسرد من الكتاب قصة حياتها دون لفت الإنتباه على أنها قصتها، حيث تحدث عن أسرتها وكيف كانت حياتها عبارة عن أصعب مُغامرة منذ ميلادها وكان يتنبأ لها بأنها مصدر السعادة لإسرتها بعد أن حلم والدها يوم ميلادها بأنها تقف ويسقط من السماء حولها قطرات مطر ذهبية كانوا يدركون  ولكنها لم ترى بأنها كانت مصدر سعادة بل تحول الأمر كثيرًا، والتى بدأت بإحلام طفولتها البريئة وصولاً إلى رحلة إنقاذها لوالدها بعد مرور وقت طويل من سقوطه فى بئر كبير، حيث أسقطه بداخله شقيقه “كوابينا” ليدفع نتيجة ثمن ذنب غير مقصود حيث إختلاف المعاملة بينهما منذ الصغر من قبل والدتهم، وأيضاً ما زاد الأمر سوءًا هو حين تزوج العم وكان والد الفتاه هو سائق السيارة وأثناء قيادته تعرض الجميع لحادث توفى على أثره العروسة ،مما جعل العم يزداد حقدًا، واعتبر نفسه بأنه إنسان ميت بلا روح ورغم مرور وقت طويل على وفاة زوجته.

“كوجو وشقيقه”

إلا أنه لم يظهر للجميع بأنه مازال متألمًا وحاول السفر لـ”كوجو” والد أيبى واقناعه بترك قريته والذهاب معه برحله إلى أحد المواقع للتنقيب عن الذهب ولكن فى الحقيقة كانت رحلة الحساب والعقاب لاسترجاع ذكريات كثيرة وكانت الفتاه ترى فى أحلامها دائما غراب كبير يطاردها لتكتشف فى النهاية بأن الغراب هو الوجه الأخر لعمها الذى يطاردها ويرغب فى الهجوم عليها وفى النهاية كان الهجوم على والدها للتخلص منه ولكنها استطاعت الوصول إلى أهدافها لتصبح روائية كبيرة تناقش أحدث روايتها ومازالت ترى شبح والدها يسير معها اينما ذهبت .

زوجة كوجو 

ومن دلائل الإستخدام الجيد للصورة السينمائية في الفيلم هو إعتماد السيناريو على عدة تلميحات بصرية للدلالة على الأحداث واستنباطها بسهولة، كمثل التركيز على مشاهد إجتماع “كوجو” بطل القصة مع زوجته وإبنته فى حلقة “ذكر قرآنى”، وتركيز الشيخ على قصة سيدنا يوسف عليه السلام وتطور أحداث حياته منذ سقوطه في البئر ورحلة سفره من فلسطين إلى مصر وتغير حياته 180 درجة، كذلك التركيز على فكرة حقد الأخوة لبعضهم البعض والتى تؤكد أنها ظروف إجتماعية مٌستمرة منذ عهد أبناء سيدنا آدم وحتى الأن. 

كوجو وأبنته وزوجته

ومن المؤكد أن بنسبه كبيرة تولد هذه المشاعر نتيجة تفريق الأهالى فى المٌحاباة بين أبنائهم ، كما ركزت الأحداث على العرض المستمر لطريقة تعلثم العم خلال حديثه مع شقيقه “كوجو” القتيل، فتارة يراه الجمهور ينظر له نظرة الحاقد، وتراه بأنه جسد بلا روح ويحتاج للشفقة على أحواله، وتميز الفيلم بتنوع مشاهد وإبراز معالم جميلة لقٌرى غانا، سؤاء على البحر أو فى ضواحيها والتى تميزت بالبساطة فى التكوين للدلالة على أحوالهم المالية المتوسطة، كما كانت من أبرز المشاهد الدلالية على الشخصيات هو قيام المخرج بتصوير شخصية ضابط الشرطة الباحث عن جثة “كوجو” من زاوية مهزوزة وغير واضحة، ويظهر من خلالها نص وجهه للدلالة عن شخصيته الكاذبة والمهملة، والذى كان يكذب فى عمله ولا يهتم بالبحث فى القضايا التى تأتى إليه. 

الضابط المهمل

كما رسم السيناريو صورة رائعة فى لحظة معرفة الإبنه “ايسى” بأن والدها داخل بئر وقيامها بالجرى داخل غابة شاسعة تملأها المناظر الطبيعية الخلابة والتى تعكس جمال دولة “غانا”، ورغم أن النهاية كانت حزينة بفراق بين الإبنه ووالدها لظنها بأنها رغم أنها أنقذته من خلال إستدعاء الشرطة لإخراجه ، لكن القدر كتب كلمته الأخيرة بوفاته، وأخذت عهد على نفسها بأن ستظل روحه بجانبها دائماً، حتى أثناء توقيع كتابها الناجح كانت ترى نفسها وكأنها مازالت صغيرة وهى تمسك يد والدها للعبور إلى طريقها السليم وأدركت بأنها الوحيدة التى كانت قادرة على إنقاذه بعد حلم المطر الذهب، والتى بالفعل غير حياتهم جميعًا وأدركت بأن صراع والدها وعمها “الأشقاء” فرحيل أحبابها كانت نقطة إنطلاقها لتٌصبح أشهر روائية وكاتبة إفريقية، والجدير بالذكر أن الفيلم فاز بجائزة النيل الكبري فى مسابقة الأفلام الروائية الطويلة بمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏١٢‏ شخصًا‏، و‏‏‏أشخاص يجلسون‏ و‏منظر داخلي‏‏‏‏

مُحررة الموقع وسط حضور الفيلم بالقصر 

 

 

 

Scroll to Top