سحـــر السيـنمـا

سحـــر السيـنمـا

كان الفيلم يتغير يوم الإثنين من كل أسبوع ليحل محله فيلم جديد .. وقد أصبح هذا اليوم هو اليوم الذي أتأخر فيه من العودة إلى البيت بعد موعد المدرسة.

أذكر أنني عندما عدت متأخراً أول مرة كان التوتر شديداً فقد تصوروا أن سوءً ألم بي، ومن ثم أرسلوا من يبحث عني .. كنت في المرحلة الإعدادية .. وكنا حديثي العهد بالحياة في دمياط .. وقد تأخرت إلى قرب آذان المغرب .. غضبت أمي حدَ البكاء وكاد أبي أن يضربني بالحزام لولا أن تَدَخَل الأقارب وأنقذوني، ولكني كنت قد انفتحت على ذلك العالم السحري المدهش وكأني دخلت وبلا سابق إنذار إلى مغارة علي بابا المليئة بالأسرار والحواديت .. وقد أدمنت ذلك الطقس .. يوم الإثنين أخرج من المدرسة وأذهب إلى السينما .. ويوم الجمعة بعد صلاة الجمعة في مسجد القرية الكبير أنسل مع بعض الأصدقاء إلى دار العرض الأخرى حيث تعرض فيلماً آخر.

وفي دمياط كان لدينا اثنين من دور العرض هما سينما “دمياط” وسينما “اللبان” وبعد ذلك بوقت طويل أصبحوا ثلاثة عندما انضمت إليهما سينما أخرى في قصر الثقافة …

أصبح الذهاب إلى السينما مرتين كل أسبوع طقساً في حياتي وفي حياة الكثيرين من أمثالي من أبناء دمياط المدينة والقرى المحيطة بها.

كانت السينما وسيلة للمتعة والثقافة في الوقت نفسه عندما تربينا على أفلام ذلك الزمن وعرفنا أبطالها وصادقناهم محسن سرحان وشكري سرحان وأحمد رمزي وفاتن حمامة وشادية وكمال الشناوي، وعندما كبرنا قليلاً وزادت خبراتنا تعرفنا وصادقنا أسماء مثل صلاح أبو سيف وعز الدين ذو الفقار وكمال الشيخ وحسن الإمام ويوسف شاهين.

عالم من المتعة والثقافة كنا ننهل منه حلالاً طيباً .. وكان الإقبال على هذه الأفلام هائلاً خاصة أيام الأعياد حيث كان الزحام مشهوداً وتُحكى عنه الحكايات والطرائف …

الآن لم يعد في مدينتي وفي معظم المدن ولا دار عرض واحدة .. لست أدري لماذا .. لماذا يُحرم الناس من هذه المتعة الحلال والثقافة الباذخة من الأفلام العربية أو الأجنبية؟ .. مهما قيل لي أن الأفلام تذاع في التليفزيون من خلال القنوات الفضائية أو على أجهزة الكمبيوتر .. مهما قيل لي، سيبقى الذهاب إلى السينما حيث ثمة وعد مخبوء وساحر استكشفه مع الآخرين في قاعة العرض عندما يُطفأ النور ويسود الظلام .. ثم تُضاء الشاشة نافذة عريضة على عالم مُلوَّن مدهش وساحر.. وعندما سألت قيل لي أن دور العرض قد انقرضت في معظم المدن أو أنها على وشك أن تنقرض .. وأتساءل لماذا؟؟

لماذا نحرم الناس من متعة بصرية سمعية وذهنية وجدانية هم في أشد الحاجة إليها ..

لماذا نحرم الناس من الحلم؟؟ من السينما .. أُوقن أن السينما هي أجمل شيء في الحياة .. هي فن الفنون كلها .. لماذا نحرم الناس منها؟؟ لمصلحة من أو لماذا؟؟ …

ليس لدي إجابة شافية ولكني أتوجه إلى كل من يهمه أمر هذا الشعب .. يجب أن تعود دور العرض السينمائي في المدن والأحياء والقرى لكي تؤدي رسالتها التي أعتقد أنها في غاية الأهمية .. شجعوا إعادة دور العرض للعمل .. ولا تحرموا الشعب المصري الكادح في الاقاليم من ذلك الحلم الساحر .. السينما ..

بشير الديك

Scroll to Top