شادي عبدالسلام.. صاحب المومياء ..كتاب جديد لـ حسن حداد

سيد محمود

ضمن سلسلة إصداراته السينمائية التى أصبحت مرجعا لكل عاشق للسينما وكل صانع وناقد وإعلامي،صدر للناقد والكاتب والباحث السينمائي حسن حداد كتابه الجديد “شادي عبد السلام..صاحب المومياء”، أستهله باهداء “الى علا حداد.. ابنتي

التي ما ان تحضر حتى اشعر بان المشهد اكتمل..

تستجيب لها الطبيعة وينحني امامها المستحيل.

هي وردة القلب، علاج عزلتي..

تضع كفها الطري على جبيني فاعرف انني في امان.

شكرا لانك هنا دائما..

وقدمت للكتاب الناقدة ناهد صلاح ، فكتبت تحت عنوان “صاحب المومياء وصاحب الكتاب “وقالت عن التجربة الفريدة فى رصد مسيرة “صاحب المومياء” :

“ثمة فكرة أساسية تتعلق بفيلم “المومياء.. ليلة أن تحصى السنين” للمخرج الكبير شادي عبد السلام، تجعله لا يعتبر فقط مهمًا وذي قيمة فنية كبيرة، بل إنه أيضًا الفيلم الذي رفع من مستوى النقد خطوات أو بالأحرى قفزات واسعة إلى الأمام، بما يثبت ويرسخ لنظرية أن النقد يزدهر بالأعمال العظيمة، فعلى سبيل المثل والدلالة لا يمكن أن تكون صدفة أو أمرًا عَرَضِيًّا أن نجد كتبًا وكتابات عديدة عن أعمال نجيب محفوظ، تتبارى في جديتها وعمقها ومحاولاتها الاقتراب والعُلو كي تطالها، هذا لا يعني حكمًا مطلقًا صوب الأعمال الضعيفة والكتابات النقدية حولها، لكنها مسألة تخص العلاقة بين الإنجاز الإبداعي والإنجاز النقدي والإسهام في تحسين الوعي المعرفي والجمالي والبصري، كذلك إثارة النقاش الجدي والقراءة المعمقة وتفكيك الأعمال السينمائية وتأثيراتها انفعالا وتأملًا وتفكيرًا، لأنّه بهذه الطريقة يحدث تحوّلًا جذريًّا في التلقي والوعي إجمالًا وتظهر أشكال مختلفة للتعبير.

من هذا المنطلق ندرك، وهو إدراك قديم يتجدد، أن “المومياء” مُترع في مفاصله كصنيع فني بأسباب كثيرة تجعله مثار واستبصارات وسجالات وتساؤلات معلقة وإجابات غالبًا غير شافية، وهي مسألة في حد ذاتها تُربك المُشاهدين وتورطهم  ثقافيًا وفكريًا، خصوصًا بكل ما يحتوي الفيلم من سحر وجمال شكلًا ومضمونًا، فما بال النقاد وتواصلهم مع عمق النص السينمائي وما يحتمله من تفسيرات عدة، كما في “المومياء” الذي لفت أنظار العالم، ومازال، إلى السينما المصرية والعربية، وهو الفيلم الذي يصح القول عنه بارتياح أنه رفع من معايير المُشاهدة وكذلك معايير الكتابة النقدية، وأنه أيضًا ينتمي إلى فئة الأفلام الخالدة، الباقية، بحيث نجد كل عدة سنوات من يأت ليكتب شيئًا جديدًا عن فيلم أُنجز في العام 1969، أي منذ نحو 55 عامًا، أو عن صاحبه شادي عبد السلام، المخرج والكاتب ومهندس الديكور ومصمم الملابس والفنان التشكيلي، موفور الموهبة والروافد الفنية المتعددة، الباحث الطموح الذي حاول في مشروعه السينمائي أن ينير بعضًا من الثقافة المصرية القديمة، ذو الحضور الأبرز عالميًا ومحليًا على الرغم من قلة أفلامه، كما يفعل الآن الناقد البحريني الكبير حسن حداد بعد 38 عامًا تقريبًا من رحيل شادي، بكتابه الأحدث في مكتبته السينمائية العامرة بإصدارات وثيقة، متأصلة في العالم السينمائي بحثًا وتنقيبًا ودراسة، تستند إلى معرفة وثقافة ووعي، وها هو في هذا الكتاب وعنوانه “شادي عبد السلام صاحب المومياء”، الصادر عن سلسلة كتاب سينماتك، نشر إليكتروني، والذي صمم له بنفسه الغلاف مع التنسيق الداخلي والخارجي، ليُشكل إضافة جديدة للمكتبة السينمائية العربية، وإضاءة جديدة على فيلم هو أصلًا مضيء وتجربة مخرج يحظى باكتراث وتقدير كبيرين.

ما الذي يمكن أن يقدمه الناقد حسن حداد إزاء هذه التجربة، وهو الكاتب المعروف باشتغاله البحثي والنقدي الحماسي والرصين في ذات الوقت؟.. إنه هنا في هذا الكتاب يسعى إلى توثيق التجربة بأسلوب يركَن إلى تحليلها، وطريقة فيها شيء من التحريض على إعادة مُشاهدة أفلام شادي عبد السلام وقراءتها بعين مختلفة قراءة وافية تليق به.

يقول حسن حداد في كتابه عن شادي: “كان أحد المناضلين في حرب الفن والثقافة العربية”، واستشهد بكلمة لـ”شادي” وضعها في الغلاف الخلفي تدعم وجهة النظر هذه وترسخ لسينمائي تعامل مع صناعة الأفلام بزوايا متعددة من أجل الوعي والمتعة سويًا، فيقول في كلمته: “أنا مؤمن بأن للسينما لغة خاصة بها، وهي لا تعتمد على اللغة المنطوقة، وإنما على الصورة السينمائية التي تخدم الإطار العام للفيلم، والحرفية بالنسبة للمخرج هي آخر شيء يفكر فيه، بل من الكريه أن يكون المخرج مجرد حرفي فقط، لابد أن يكون للمخرج وجهة نظر ورأي يلتزم به، حرفة المخرج تماثل معرفتي لاستخدام القلم…”، أراد حسن حداد إذًا إبراز هذا الجزء الأساسي في شخصية “صاحب المومياء”، كما رآه كمناضل عنيد في حربه مع الجهل المتفشي في مؤسسات وأجهزة ثقافية أحجمت عن إنتاج فيلمه “إخناتون”، الحلم الذي لم يتحقق، واعتبر حداد نضال شادي: “تحد مباشر، يكشف عن قدرة أسطورية على التحمل، ويكشف إلى حد كبير عن خصوصيته وتميزه”.. لم يبالغ حداد في تحديد شخصية شادي أو “أسطرته”، أي وضعه في مصاف الأساطير الخيالية، العظيمة، إنما اقترب من تفاصيل خلطة بشرية تُشعل في الروح فتيلًا من النور، رجل رسم من روحه وذاته خرائطًا لجغرافيا حياة لم تزل أصداءها وأثارها حاضرة، حياة هي ثورة صغيرة، مشروع ثقافي يأبى أن يندثر، طاقة هائلة القليل فيها غير معالمًا كثيرة، لذا يستعرض حسن حداد بحرص في كتابه تفاصيل هذه الحياة ويتوقف عند نقاط عدة في مشوار شادي الفكري والفني.

ربما نعرف نصف الحقيقة عن شادي عبد السلام، مخرج كبير لديه فيلم مذهل أثار الجدل والدهشة وفيلم آخر كان حلمه العصي عن التحقيق، ولأنه النصف لا الكل، اجتهد حسن حداد وقام بالبحث والتقصى ليقدم لنا الحقيقة كاملة في كتابه، كما لو أنه يجمع قطع البازل، لتغدو لوحة متكاملة من المعلومات التي استقاها عبر رحلة بحثه، وقدمها في معنى أعمق من البورتريهات العابرة، إذ يُدرك فهمًا واستيعابًا لشتى نواحي حياة شادي عبد السلام، فنًا وفكرًا واجتماعًا.. لا يُخفي الكاتب إعجابه بالشخصية التي يقدمها في مواضع عدة، لكنه يكتب كمن ينبهنا إلى شيء ما داخلي يُقيم ذلك التوازن الروحي في الغالب، شيء هو أشبه بتحرير للذات، صحيح أنه يستحوذ على حواسنا ولكنه لا يأسرنا ويجعلنا تحت وصاية شخص أو فكرة، إنما قد يعيننا على الحياة ويجعلنا نتطلع لهذه النوعية من الكتابة بنوع من الاستعداد لخوض أيّ نقاش في أية لحظة.

Scroll to Top