ًالمخرج داوود عبد السيد: الفيلم المُريح للمُشاهد أعتبره “بليداً”


                                                                                                                                                                                                                  المُخرج داوود عبد السيد

تقرير: مروة السوري

عدسة: إنجى حـنا 

 هو فنان يبحث عن سر الإختلاف، ويُصر دائمًا على صُنع أفلام تحمل طابعه الخاص، وهو من نوعية المُخرجين الذين يسكتون دهرًا ثم ينطق جمالًا وإبداعًا، وأجمع النقاد على أنه أحد مخرجى زمن الفن الجميل ؛ رغم أن مُعظم أعماله لا تتعدى الكثير إلا أنها أضافت إلى جُعبة المكتبة السينمائية الكثير، منها “الصعاليك، أرض الخوف، أرض الأحلام، سارق الفرح، مواطن ومخبر وحرامى، رسايل البحر، البحث عن السيد مرزوق، وقدرات غير عادية”، عمل كمُساعد مخرج فى فيلم “الأرض”، لكن سُرعان ما ترك هذه المهنة وبدأ بإمساك كاميرته ليجوب بها شوارع القاهرة لإطلاق أهم الأفلام التسجيلية والروائية الطويلة، ونال جائزة الهرم الفضى أكثر من مرة بمهرجان القاهرة السينمائى، وغيرها من الجوائز العالمية إنه المخرج “داوود عبد السيد” .

وفى إطار ذلك أدار الكاتب “هشام أصلان” فى صالون “الجيزويت” الشهرى بحضور الأب ” وليم سيدهم اليسوعى ” رئيس مدرسة ” الجيزويت ” لتعليم السينما والكاتب ” سامح سامى ” رئيس تحرير مجلة الفيلم التابعة للمدرسة وغيرهم من السادة الحضور والكتاب،وأكد “سامح سامى” خلال كلمته أن إستضافة “داوود” بإستديو ناصبيان بجزويت القاهرة يُعد إستكمالًا لأبرز الأحداث الفنية الهامة التى يهتم الإستديو بالقيام بها، مثل إستقبال العروض الفنية المسرحية والسينمائية، وطلاب مدرسة السينما، ومدرسة الإنيمشن للرسوم المتحركة، ومدرسة المسرح، ومدرسة العلوم الإنسانية.ليس ذلك فقط بل من خلال تصوير روائع الفن بها والتى تعدت الـ 144 فيلماً، والتى تٌعد أبرزها “عروس النيل، الفتوة، المُعجزة، شفيقه ومتولى، شئ فى صدرى، أم العروسة والحفيد، وفيلم باب الحديد للمخرج الكبير يوسف شاهين”، الذي تناول فى فيلمه شارع الفجالة نفسه كأحد أهم شوارع باب الحديد، أيضاً فى فيلم “الحفيد” الذى تناوب التصوير فيه ما بين الإستديو والمنزل المُقابل له، ومنه أيضاً جاءت معظم مشاهد فيلم “شفيقة ومتولى”.

 

وأشار “أصلان” بأن سبب تسمية إسم الندوة بـ “شاعر السينما” يرجع إلى أن “داوود” جعل المتلقى يشعر بأنه جزءاً من الحالة الفنية التى أحدثها بأعماله الفنية المُميزة بتاريخ السينما المصرية، وأضاف بأن “داوود” بدأ عمله كمُساعد مخرج مع “يوسف شاهين” فى فيلم “الأرض” وتعلم معه الكثير، فكانت رواية فى قمة الأهمية وفريدة بتاريخ الأدب المصري فمجرد المشاركة والعمل فيه كان بمثابة الدخول إلى مدرسة الإبداع، وكان إهتمامه كيفية التعامل مع الممثلين، فقد كان بالنسبة لهم آنذاك النجم الساطع بعالم الإخراج، وكان “شاهين” أسُتاذه بمعهد الفنون المسرحية أيضاً، وتعلم منه كأفضل موجه حقيقى لفكرة الواقعية والفلسفية بصورتها المُختلفة، فلن ينكر أن معظم أعماله تأثرت بفلسفية “شاهين” فى تحديد الجوانب الخفية داخل كل مجتمع وكيفية خلق واقع مُختلف.

 

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٢‏ شخصان‏، و‏‏‏‏أشخاص على المسرح‏، و‏أشخاص يجلسون‏‏ و‏منظر داخلي‏‏‏‏

وأضاف أن سبب قله أعماله الفنية كان بسبب عدم تمويلها جيدًا، وصعوبة الوصول إلى منتجين يضعون أفلامه على خارطة العرض السينمائى، ورغم أن فيلم “الكيت كات” للفنان الراحل الكبير “محمود عبد العزيز” ظل بالذاكرة الفنية حتى الأن، ولكنه واجه صعوبة فى عرضه فى بادئ الأمر، والتى وصلت لأعوام، وتكرر الأمر مع فيلم “رسائل البحر” الذى تأخر عرضه لمدة 9 سنوات، كذلك إستغراقه فى الكتابة لمدة طويلة، مشيرًا على عدم إعتراضه على أن السينما “سينما تجارية” فهذا أساس الصناعة الفنية .
وأكد على أنه  بالفعل يرى بأن رسالة الفن مُحبة للحياة، وتريد صفع الجوانب السلبية للواقع من الضغوط النفسية من أحداث الصراع بين الأخرين، فمثلا فى فيلم “رسائل البحر” نرى أن المدينة تطرد البطل والبطلة ونجد مشهد جلوسهم بالمركب ويطفو السمك النافق نتيجة صيده الجائر، ويتمنون معايشة حياتهم كما تحلو لهم وليس كما يحلو للآخرين… وعندما ننظر لتجربة فيلم “الصعاليك” نجد  أنه قدم نموذج مُختلف للعلاقات الشخصية، ونظرة مُتحررة من كل حكم وأفكار مُسبقة، نظرة غير أخلاقية، بمعنى أنها لا تنجر وراء الأحكام الأخلاقية على السلوك البشري ؛ بل تبحث وتتفهم الدوافع،  وعلى حد قوله “كنت أحاول أن تتلفظ  الشخصيات بالفيلم بمشاعرها القوية، تحترق من ركضها اللاهث وراء شعاع السعادة والرفاهية.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏‏على المسرح‏ و‏لقطة قريبة‏‏‏‏

 ويحاول “داوود” التعبير عن وجهة نظره في الإنسان من داخله، وبعمق عن الجدل بين الفرد والمجتمع، وبالطبع نجح الراحلون الكبار كلٍ من “محمود عبد العزيز، نور الشريف، وأحمد زكى” فى تجسيد حُب الحياة بشكل مُختلف وصحيح، ويشير “داوود” إلى أن السينما حاليًا أصبحت سينما شبابية ومستقلة، وذلك يجعلها ما بين المأزق والحلم الساعى إلى أن يتحقق وسط شبح إنتهاء الدوامة السينمائية التى تهتم حاليًا بالكسب المادى ؛ والإنتاج الضخم وإرتفاع أسعار تذاكر السينمات أكثر من القيمة الفنية، وذلك يؤدى لإستبعاد رواد السينما المصرية بصورة تلو الأخرى .

ويجمع “داوود” كافة كل أعماله أنها أحب إلى قلبه سواء مـن ناحية التأليف أو الإخراج، ويؤكد محاولته بعدم الإعجاب بأعماله حتى يستطيع تقديم الأفضل فى المرة القادمة، فقاتل الإبداع الإثارة بعملاً ما، والإنبهار به، ومن ثم التكاسل عن عمل الأفضل، ويقول انه كان دائما يبدأ يومه بعد عرض فيلم “الكيت كات” بمحيه من ذاكرته ليبدأ الأفكار الجديدة… فقد عمل مع كبار الفنانين أمثال “فاتن حمامة، نور الشريف، محمود عبد العزيز، يحيى الفخرانى، وأحمد زكى” وغيرهم، وكان قلبه يميل بعض الأحيان للعمل مع الراحل “نور الشريف” لأنه أكثر فنان يدرك ما هى قيمته وآليات صنعه ومدرك كيف يكون المشهد والإضاءة والصوت والتوجيهات كأنه خلق لأن يكون تابلوه فنى مميز لا يمكن الخدش به، ومثقف لدرجة عالية بينما الراحل “محمود عبد العزيز” بالنسبة له مُفاجأة لأنه كان يراه وسيماً أكثر من موهوب قبل التعامل معه، لكن بعد كواليس “الصعاليك” يقول أنه فاق كل آرائه وآراء كل النُقاد .

وحلل عمله كسيناريست وأعطي مثالاُ بفيلم “أرض الخوف” للراحل أحمد زكى إنتاج 1999 ولكن جاءته الفكرة قبلها بـ 10 سنوات، وشجعه على ذلك فيلم “النمر الأسود” لأنه تحمس إلى إختلاف نوعية الفكرة عما سبق تقديمه، وبدأ التفكير يراوده كثيرًا كيف جاءته تلك الفكرة وفى هذا التوقيت، فإكتشف أن ولادة الفكرة جاءته تشابهًا مع الأحداث التاريخية الجارية، وتطور الأجيال من فترة لآخرى تأثرًا بالإشتراكية، الإنفتاح الإقتصادى، النكسة وأعقابها وهكذا، فالفكرة تولد عندما يتأثر وجدان المرء بأهم مُجريات المُجتمع، ويبدأ فى تحليلها بأسلوبه الخاص، وصنع الحالة الإنسانية ومن ثم الفنية ؛ فالإلهام يأتى من الإهتمام بالموضوعات الحيوية، فهذا الفيلم ساهم فى توصيل صورة مُختلفة عن السينما المصرية، خاصةً لصالح السينما الذهنية وله القدرة للتواصل مع الجمهور .

ويقول ضاحكاً “لماذا معظم نهايات أعماله نهايات غير مفهومة، ليه أريّح المُشاهد لما يتفرج؟! كل اللى شغلنى أنه يتأثر ويفكر، لأن الفيلم الذى يُريّح المُشاهد أعتبره فيلما بليدًا، وإذا كان هذا مُزعجاً، فلأننا لم نتعود عليه، لأننا لم نعتد على النقد نتيجة الإعلام والتعليم، وحتى عندما ظهرت الصحف والقنوات الخاصة عملت فى منظومة إعلام شمولى، وتأمل اللقاءات التى تجري مع الناس فى البرامج فوجدتها مُتشابهة!!، فلم أجد أحداً إستطاع أن يشرح وجهة نظره، فلابُد من الغموض والإثارة حتى يبدأ العقل فى ممارسة مهامه مثل فيلم الكيت كات أنا عايز أظهر الناس كما هي، وكل واحد من المشاهدين يفهم القصة بطريقته الخاصة، فالفن والسينما بشكل عام هما جدوى وثقافة كاملة، ودائماً أبحث على إجابات تشغل تفكيرى الشخصى”.


                                                                                                                             مُحررة الموقع مع المخرج داوود عبد السيد

 


                                                                                               محررة الموقع ومجموعة السينما والأب وليم سيدهم وداوود عبد السيد 

 

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٦‏ أشخاص‏، و‏‏‏حشد‏ و‏منظر داخلي‏‏‏‏

 

 

 

Scroll to Top